الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
.[باب المبادلة في الماشية وبيع ما وجب فيه] الزكاة والصداق والرهن والغنيمة إذا بادل الرجل جنسًا تجب الزكاة في عينه، بجنس تجب الزكاة في عينه.. فإن كل واحدٍ منهما يستأنف الحول بما تجدد ملكه عليه بالمبادلة، سواءٌ كان قد بادل جنسًا بجنسٍ مثله، مثل: أن يبادل إبلًا بإبلٍ، أو غنمًا بغنمٍ، أو بادل جنسًا بجنسٍ آخر، مثل: أن يبادل إبلًا بغنمٍ، وكذلك الدراهم والدنانير، ووافقنا أبو حنيفة في المواشي، وخالفنا في الدراهم والدنانير إذا بادلهما بجنسهما.. فإنه يبني على الحول الأول.ووافقنا مالكٌ إذا بادل جنسًا بغير جنسه.. فإنه يستأنف الحول الثاني، وإن بادل الجنس بمثله، مثل: الغنم بالغنم.. فإنه يبني حول الثاني على حول الأول. دليلنا: ما روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول». ولأنه بادل جنسًا تجب الزكاة في عينه، بجنس تجب الزكاة بعينه، فوجب أن يستأنف به الحول، كما لو بادل الجنس بغير جنسه، وفيه احترازٌ من أموال التجارة. إذا ثبت هذا: فإن وجد أحدهما بما صار إليه عيبًا - وتصورهما: فيمن بادل أربعين من الغنم بمثلها مبادلة صحيحة - فإن وجد العيب قبل حؤول الحول من حين المبادلة.. فله أن يرد بالعيب، فإذا رجع إليه ما كان أخرجه من ملكه.. استأنف به الحول من حين الرد بالعيب؛ لأنه تجدد له عليه الملك من حينئذٍ، وإن وجد العيب بعد وجوب الزكاة فيما اشتراه، وقبل أن يخرج الزكاة منها، أو من غيرها.. فليس له الرد بالعيب؛ لأن المساكين، إما أن يكونوا قد استحقوا جزءًا منها، فيصير كمن اشترى عبدًا، فجنى على غيره، ثم وجد به عيبًا.. فليس له رده بالعيب، أو صار المال مرهونًا بحقهم، فهو كمن اشترى عبدًا، فرهنه، ثم وجد به عيبًا.. فليس له رده بالعيب، وهل يرجع بأرش العيب؟ فيه وجهان: أحدهما: ولم يذكر في "التعليق" و " المجموع" غيره -: أنه يرجع بالأرش؛ لأن الرد قد تعذر. والثاني - ولم يذكر ابن الصباغ غيره -: أنه لا يرجع بالأرش؛ لأنه لم يباشره من الرد. وإن وجد العيب بعد أن أخرج الزكاة، فإن أخرج الزكاة من عين المال.. فهل له أن يرد الباقي؟ فيه قولان، بناءً على القولين في تفريق الصفقة: فإن قلنا: تفرق.. قوم الباقي من الغنم، وقومت الشاة المخرجة، ورجع بحصة ما بقي مما يقابله من غنمه، فإن اختلفا في قيمة التالفة.. ففيه قولان: أحدهما: القول قول المشتري؛ لأنها تلفت في ملكه. والثاني: القول قول البائع؛ لأنه قد ثبت ملكه على ما في يده، فلم ينتزع منه شيءٌ منها إلا برضاه، كالمشتري والشفيع. وإن قلنا: لا تفرق الصفقة.. لم يكن له رد الباقي بالعيب، وهل يرجع بالأرش؟ اختلف أصحابنا فيه: فقال الشيخ أبو حامد: يرجع المشتري بأرش المعيب. وقال ابن الصباغ: إن كانت الشاة المخرجة باقية يرجى عودها إليه.. لم يرجع بالأرش؛ لأنه لم ييأس من الرد. وإن كانت تالفة.. كان له الرجوع بالأرش. وإن كان قد أخرج الزكاة من غير المال، فإن قلنا: إن الزكاة تتعلق بالذمة، والعين مرتهنة بها.. فله الرد بالعيب، كما لو اشترى من رجلٍ عَبْدًا، فرهنه، ثم فكه، ثم وجد به عيبًا.. فله أن يرده بالعيب. وإن قلنا: إن الزكاة تتعلق بالعين.. فهل له الرد؟ فيه وجهان، كالوجهين فيمن اشترى عبدًا، ثم زال ملكه عنه، ثم عاد الملك إليه، ثم وجد به عيبًا، فهل له أن يرده؟ فيه وجهان: قال الشيخ أبو حامدٍ: إلا أن الصحيح فيمن اشترى عبدًا: أنه لا رد له؛ لأنه قد استدرك الظلامة، ودلس على غيره، كما دلس عليه. والصحيح في المسألة المبادلة: أن له الرد؛ لأنه لم يستدرك الظلامة، ولم يدلس على غيره، كما دلس عليه، ولأنه إذا اشترى عبدًا، ثم باعه، أو وهبه.. فقد انقطعت علائق الملك بينه وبين البائع، وليس كذلك هاهنا؛ لأن المساكين وإن ملكوا جزءًا من المال، فإن علائق ملكه لم تنقطع عنه؛ لأن له أن يسقط حقهم منه بغير رضاهم، بأن يدفع إليهم من غيره. وإن كانت المبادلة فاسدة.. فإن حول كل واحدٍ منهما لا ينقطع فيما باع؛ لأن ملكه لم يزل، فإذا تم حوله.. وجبت عليه زكاة ماله. فإن قيل: فهلا جعلتموه كالمغصوب والضال؛ لأنه ليس في يده؟ قلنا: الفرق بينهما: أن في المغصوب والضال قد حيل بينه وبين ماله؛ لأنه لا يمكنه التصرف فيه، فلذلك استأنف الحول في أحد القولين، وهاهنا لم يحل بينه وبين ماله، وإنما اعتقد أنه غير مالكٍ لأخذه. قال صاحب "الإبانة" [ق \ 132] فإن أسامها المشتري بحكم المبادلة الفاسدة، وكانت معلوفة عند مالكها.. فهل تجب الزكاة على مالكها؟ فيه وجهان، كالغاصب. فإذا قلنا: تجب.. فهل يرجع على المشتري بذلك؟ فيه وجهان. فإذا قلنا: يرجع.. فهل يغرم أولًا، ثم يرجع عليه، أو يطالبه ابتداءً بذلك؟ فيه وجهان، بناءً على الحلاق إذا حلق شعر المحرم، ووجبت الفدية.. فهل يغرمها المحرم، ثم يرجع بها على الحلاق، أو لا يغرمها، ولكن يطالب بها الحلاق؟ فيه وجهان. .[مسألة: بيع ما وجبت فيه الزكاة] إذا كان في يده نصابٌ من المال، قد وجبت فيه الزكاة: إما من الماشية، أو الثمار، أو الزروع، أو الأثمان، فباع جميعه قبل إخراج الزكاة عنه.. فهل يصح البيع في قدر الزكاة؟ فيه قولان:أحدهما: يصح؛ لأنا إن قلنا: إن الزكاة استحقاق جزء من العين إلا أن علائق ملك رب المال لم تنقطع عنه، وله أن يدفع الزكاة من غير المال.. فجعل بيعه اختيارًا لدفع الزكاة من غيره. وإن قلنا: إن الزكاة تتعلق بالذمة، والمال مرهونٌ بها، إلا أنه رهن بغير اختيار المالك.. فلم يمنع صحة البيع، كالبيع في العبد الجاني إذا قلنا: يصح. والقول الثاني: لا يصح البيع في قدر الزكاة، وهو الأصح؛ لأنا إن قلنا: إن الزكاة استحقاق جزءٍ من المال.. فقد باع ما لا يملكه. وإن قلنا: إن المال مرهونٌ بها.. فبيع المرهون بغير إذن المرتهن لا يصح. هذا نقل أصحابنا البغداديين. وقال الخراسانيون: إن قلنا: إن الزكاة تجب في الذمة.. صح البيع في قدر الزكاة. وإن قلنا: إنها تتعلق بالعين على معنى استحقاق جزء منها.. لم يصح البيع في قدر الزكاة. وإن قلنا: كتعلق الجناية برقبة الجاني.. فهل يصح البيع في قدر الزكاة؟ فيه قولان، كبيع العبد الجاني. إذا ثبت هذا: فكل موضعٍ قلنا: يصح البيع في قدر الزكاة.. ففي الباقي أولى. وإن قلنا: لا يصح البيع في قدر الزكاة.. فهل يبطل في الباقي؟ فيه قولان، بناءً على القولين في تفريق الصفقة: فإذا قلنا: يبطل في الكل.. فلأي معنًى؟ فيه وجهان: أحدهما: لأن الصفقة جمعت حلالًا وحرامًا، فغلب التحريم. فعلى هذا: يبطل البيع في الماشية والثمار والزروع والأثمان. وإن رهن مالًا وجبت فيه الزكاة، أو وهبه.. بطل الرهن والهبة في الجميع. والثاني: يبطل؛ لجهالة ثمن المبيع. فعلى هذا: يبطل بيع الماشية، ولا يبطل بيع الثمرة والحبوب. وإن رهن مالًا وجبت فيه الزكاة، أو وهبه.. لم يبطل الرهن والهبة فيما زاد على قدر الزكاة. فإذا قلنا: يبطل البيع في الجميع.. فسواءٌ أخرج رب المال الزكاة منه، أو من غيره، فإنه لا يصح إلا بعقد بعد إخراج الزكاة. وإذا قلنا: إن البيع باطلٌ في قدر الزكاة، صحيحٌ في الباقي.. كان كالمشتري بالخيار؛ لتفريق الصفقة عليه، فإن اختار الفسخ.. فلا كلام، وإن لم يختر الفسخ، فبكم يمسك الباقي؟ فيه قولان: أحدهما: بجميع الثمن. والثاني: بحصته. وإن قلنا: إن البيع يصح في قدر الزكاة.. ففي ما سواه أولى، ثم ينظر فيه: فإن أخرج رب المال الزكاة من غير ذلك المال.. استقر البيع، وإن لم يخرج الزكاة من غيره.. فللساعي أن يطالب البائع بالزكاة؛ لأنها وجبت عليه، وله أن يأخذ الزكاة مما في يد المشتري؛ لأن الزكاة وجبت فيه، فإذا أخذها.. بطل البيع فيه، وهل يبطل البيع في الباقي؟ فيه طريقان، كما نقول فيمن باع عبدين، فتلف أحدهما قبل القبض.. فإن البيع ينفسخ فيه، وهل ينفسخ في الباقي منهما؟ فيه طريقان: من أصحابنا من قال: فيه قولان. ومنهم من قال: لا ينفسخ البيع فيه، قولًا واحدًا. فإذا قلنا: لا يبطل، واختار المشتري الإجازة، فبكم يمسك الباقي؟ اختلف الشيخان فيه: فقال الشيخ أبو حامد: فيه قولان: أحدهما: بجميع الثمن. والثاني: بالحصة. وقال الشيخ أبو إسحاق في "المهذب": يمسكه بحصته من الثمن، قولًا واحدًا. ويأتي ذكره في البيوع بعلله. وإن عزل رب المال قدر الزكاة، وباع الباقي بأن باع من الأربعين من الغنم تسعًا وثلاثين، وأمسك واحدة، فإن قلنا: إنه إذا باع الجميع يصح البيع في قدر الزكاة.. فهاهنا أولى. وإن قلنا: يبطل البيع هناك في قدر الزكاة.. فهاهنا وجهان: أحدهما: يصح البيع؛ لأنه قد استثنى قدر الزكاة. والثاني: لا يصح. قال ابن الصباغ: وهو الأقيس؛ لأن الزكاة تتعلق بالجميع على وجه الإشاعة، ولا تتعين المعزولة إلا بالدفع، ألا ترى أنه لو جنى عبده جناية أرشها عشرة، وهو يساوي مائة، فباع منه ربعه أو ثلثه.. فإن البيع لا يصح على القول الذي يقول: لا يصح بيع الجاني، ولأنه لو عزل الزكاة من غيره.. لم يؤثر هذا العزل في البيع؛ لأنه لا يتعين عليه دفع المعزول، فكذلك إذا عزل من المال. قال صاحب "الفروع": وأصل هذين الوجهين: هل الزكاة شائعة في كل واحدٍ من العدد بقسطه، أو في قدر الفرض لا بعينه؟ فيه وجهان. .[مسألة: دفع الصداق غنمًا] إذا أصدق الرجل امرأته أربعين من الغنم معينة.. فإنها تملكها بالعقد، وتجري في الحول، سواءٌ قبضتها أو لم تقبضها، فإن طلقها بعد الدخول.. لم يرجع عليها بشيءٍ، وإن طلقها قبل الدخول، وقبل وجوب الزكاة عليها.. رجع عليها بنصف الصداق، ولا كلام، وإن طلقها قبل الدخول، وبعد وجوب الزكاة على الزوجة: فإن كانت الزوجة قد أخرجت الزكاة من غيرها.. رجع الزوج بنصف الصداق؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237].فإن قيل: هلا قلتم: إنه لا يرجع عليها في قدر الزكاة على القول الذي يقول: إن الفقراء يستحقون جزءًا من المال، فيكون قد خرج من ملكها، ثم رجع إليها، كالأب إذا وهب لابنه عينًا، ثم زالت عن ملكه، ثم رجعت إليه.. لا يرجع بها الأب؟ فالجواب: أن في هبة الأب في هذه وجهين: أحدهما: للأب الرجوع، ولا كلام. والثاني: لا يرجع، فيكون الفرق بينهما على هذا: أن رجوع الزوج آكد؛ لأنه لا يسقط بتلف العين، بخلاف الأب، فإن رجوعه يسقط بتلف العين. وإن كانت الزوجة قد أخرجت الزكاة من الأربعين.. ففيه ثلاثة أقوالٍ: أحدها: أن الزوج يرجع عليها بنصف الصداق من الباقي، فيرجع عليها بعشرين سهمًا من تسعة وثلاثين سهمًا من هذه الغنم الموجودة بالقيمة. فعلى هذا: لو أتلفت الزوجة نصف الأربعين، ووجد الزوج النصف.. أخذه بالقيمة، ولا يمكن الرجوع بالنصف من العدد بالغنم؛ لأنها تتفاوت. ولو كان ذلك في الطعام.. رجع بنصف جميع الصداق مما وجد بالأجزاء؛ لأن الرجوع إلى القيمة طريقه الاجتهاد، والرجوع إلى العين طريقه النص، فقدم النص على الاجتهاد. والقول الثاني: أن الزوج يرجع بنصف ما بقي بالقيمة وبنصف قيمة الشاة المخرجة، قال ابن الصباغ: وهو الأقيس؛ لأنها لو كانت كلها باقية.. لرجع بنصف الجميع، ولو كانت كلها تالفة.. لرجع بنصف قيمة الجميع، فإذا كان بعضها تالفًا.. رجع بنصف قيمة التالف. والقول الثالث: أن الزوج بالخيار: بين أن يرجع بنصف الجميع من الباقي، وبين أن يرجع بنصف الباقي ونصف قيمة الشاة المخرجة؛ لأن حقه قد يتبعض عليه، فكان له الخيار، كما لو اشترى عبدًا، فقطع أجنبيٌ يده في يد البائع قبل القبض.. فإن المشتري بالخيار: بين أن يفسخ البيع، أو يجيزه ويرجع على الجاني بنصف القيمة. وإن طلقها قبل أن تخرج الزكاة، فإن أخرجتها من غير الأربعين، أو منها.. فالحكم فيه كالحكم فيما مضى. وإن لم تخرجها، وأراد القسمة قبل إخراجها، فإن قلنا: الزكاة استحقاق جزءٍ من العين.. فهل تصح القسمة؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ: أحدهما: ولم يذكر في "التعليق" كـ " المجموع " غيره -: أن القسمة لا تصح؛ لأنه مشتركٌ بين الزوجين وبين المساكين، فلم تصح قسمته بغير رضا المساكين. والثاني: تصح. قال ابن الصباغ: وهو الأقيس؛ لأن لرب المال تعيين حق الفقراء فيما اختار من المال، أو غيره، فلم يمنع من القسمة. وإن قلنا: إن الزكاة تتعلق بالذمة، والعين مرهونة بها.. صحت القسمة؛ لأن الرهن لا يمنع من القسمة، كما لو كان بين رجلين مالٌ، فرهناه، ثم اقتسماه.. صحت القسمة. فإن قلنا: القسمة باطلة.. فهو كما لو لم يقتسما. وإن قلنا: إنها صحيحة.. فإن الساعي يطالب الزوجة بالزكاة؛ لأنها وجبت عليها، فإن وجد لها مالًا.. أخذ منه الزكاة، وإن لم يجد لها مالًا.. فله أن يأخذ مما في يد الزوج شاة؛ لأن الزكاة وجبت فيه، فإذا أخذ منه شاة.. فهل تبطل القسمة؟ فيه وجهان: أحدهما: تبطل؛ لأن هذه الشاة استحقت بسبب متقدم على القسمة، فصار كما لو كانت مستحقة حال القسمة. فعلى هذا: يكون كمن أصدق امرأة أربعين شاة، فتلف منها إحدى وعشرين، ثم طلقها قبل الدخول.. فإلى ماذا يرجع الزوج؟ على الأقوال الثلاثة. والوجه الثاني: لا تبطل القسمة؛ لأن الماشية كانت مملوكة لهما عند القسمة، والزكاة كانت دينًا في ذمة الزوجة، وإنما استحق أخذها من الزوج؛ لتعذر أخذها من الزوجة، وذلك متأخرٌ عن القسمة. فعلى هذا: يرجع الزوج على الزوجة بقيمة الشاة المأخوذة منه؛ لأنها أخذت بزكاة واجبة عليها. وإن كان الصداق في ذمة الزوج، فإن كان حيوانًا موصوفًا.. صح، ولكن لا يجب عليها الزكاة عند الحول. وكذلك: إذا أسلم إليه على أربعين شاة موصوفة.. صح، ولم تستحق الزكاة على المسلم عند الحول؛ لأن من شرط وجوب الزكاة في الماشية السوم، ولا يمكن السوم فيما في الذمة. وإن كان من الثمار أو من الحبوب أو العروض.. لم تجب عليها فيه زكاة، فإن كان من الذهب والفضة، فيأتي ذكره في زكاة الذهب والفضة. .[مسألة: زكاة المرهون] وإن رهن رجلٌ رجلًا مالًا يجب فيه الزكاة قبل إخراجها.. فهل يصح الرهن في قدر الزكاة؟ فيه قولان، كما قلنا في البيع.فإن قلنا: يصح.. ففيما سوى قدر الزكاة أولى أن يصح، وإن كان الراهن موسرًا.. كلف إخراج الزكاة من غير الرهن، فإن لم يكن له مالٌ غير الرهن.. أخذ الساعي الزكاة من الرهن، فإذا أخذها.. بطل فيها الرهن، وهل يبطل الرهن في الباقي؟ فيه طريقان، كمن اشترى عبدين، فتلف أحدهما قبل القبض، حكى ذلك ابن الصباغ، ويثبت للمرتهن الخيار في فسخ البيع إن كان الرهن مشروطًا في بيع، سواءٌ قلنا: يبطل الرهن في الباقي، أو لا يبطل؛ لأن النقص قد دخل عليه ببطلان الرهن في المأخوذ. وإن قلن: الرهن يبطل في قدر الزكاة.. فهل يبطل في الباقي؟ فيه قولان، بناءً على تفريق الصفقة: فإن قلنا: تفرق الصفقة.. لم يبطل في الباقي. وإن قلنا: لا نفرق.. فإن قلنا: العلة أن الصفقة الواحدة جمعت حلالًا وحرامًا.. بطل الرهن في الباقي. وإن قلنا: العلة جهالة الثمن.. لم يبطل الرهن في الباقي. فإن كان الرهن غير مشروطٍ في بيعٍ.. لم يؤثر البطلان في الرهن، ولا في بعضه في البيع. وإن كان الرهن مشروطًا في بيعٍ.. فهل يبطل البيع لبطلان الرهن؟ فيه قولان، يأتي ذكرهما في (الرهن). فإن قلنا: يبطل البيع.. فلا كلام. وإن قلنا: لا يبطل.. ثبت للمرتهن الخيار في فسخ البيع؛ لأنه دخل على أن يحصل له رهنٌ، ولم يحصل. .[فرع: رهن غنمًا قبل حلول الزكاة] فإن رهنه ماشية أو غيرها من أموال الزكاة قبل وجوب البيع فيها، ثم حال عليها الحول.. وجبت فيه الزكاة؛ لأنه ملك الراهن عليها تامٌ، وإنما هو ناقص التصرف فيها لحق المرتهن، وذلك لا يمنع وجوب الزكاة، كمال الصبي والمجنون.إذا ثبت هذا: فإن كان للراهن مالٌ غير الرهن.. كلف إخراج الزكاة منه؛ لأن ذلك من مؤن الرهن، ومؤن الرهن على الراهن. وإن لم يكن له مالٌ غير الرهن.. فهل يبدأ بإخراج الزكاة، أو بحق المرتهن؟ إن قلنا: إن الزكاة استحقاق جزءٍ من العين.. قدمت الزكاة، ويتعلق حق المرتهن بالباقي؛ لأنها متعلقة بالعين وحدها، ومختصة بها، وحق المرتهن متعلقٌ بالرهن وذمة الراهن، فقدم حق المختص بالعين، كالعبد إذا جنى. وإن قلنا: إن الزكاة تتعلق بالذمة، والعين مرتهنة بها.. ففيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ. أحدهما: وهو قول أبي علي الطبري في "الإفصاح" -: إنه يستوي حق الله تعالى وحق المرتهن؛ لأن حق كل واحدٍ منهما يتعلق بالذمة، والعين مرتهنة بها، وفيمن يقدم؟ ثلاثة أقوالٍ تقدم ذكرها. والوجه الثاني - وهو قول أصحابنا، ولم يذكر في "التعليق" و " المجموع " غيره -: أن حق المرتهن مقدمٌ على الزكاة؛ لأنه أسبق، ولأن حق المرتهن تعلق بعقد صاحب المال ورضاه، فكان آكد مما تعلق بغير فعله. .[مسألة: حصول الحول في وقت خيار البيع] إذا باع أربعين من الغنم بشرط خيار الثلاث، فحال الحول على البائع من يوم ملك قبل انقضاء الثلاث أو في خيار المجلس:فإن قلنا: إن المشتري يملك بنفس العقد.. فلا زكاة على واحدٍ منهما؛ لأن حول البائع قد انقطع، ولم يتم الحول للمشتري، فإن فسخا العقد أو أحدهما على هذا القول بعد الحول.. فإن الملك يعود إلى البائع. قال ابن الصباغ: وتجب الزكاة عندي على البائع؛ لأن هذا الفسخ استند إلى العقد بالشرط المذكور فيه. وإن قلنا: إن الملك لا ينتقل إلى المشتري إلا بالعقد وانقضاء الخيار.. فإن الزكاة تجب على البائع؛ لأن الحول حال عليه، وملكه باقٍ. فعلى هذا: إن أخرج الزكاة من غير هذا المال.. استقر البيع، وإن لم يخرجه من غيره.. فإن الساعي يأخذ شاة من المشتري؛ لأن الزكاة وجبت في هذا المال، فإذا أخذها انفسخ فيها البيع. قال ابن الصباغ: وهل ينفسخ البيع في الباقي؟ فيه قولان، في تفريق الصفقة: فإذا قلنا: لا تبطل في الباقي.. ثبت للمشتري الخيار في فسخ البيع. وأما الشيخ أبو حامد، والمحاملي: فلم يذكرا الانفساخ في الباقي، بل قالا: يثبت للمشتري الخيار. وإن قلنا: الملك موقوفٌ.. نظرت: فإن فسخ البيع.. تبينا أن ملك البائع لم يزل، فيجب عليه الزكاة. وإن لم يفسخ حتى مضى زمان الخيار.. تبينا أن ملك البائع زال بنفس العقد، فلا زكاة على واحدٍ منهما. .[مسألة: وجوب الزكاة في القيمة] إذا اغتنم المسلمون غنيمة من المشركين، وحازوها، وانقضت الحرب، فإن كان للإمام عذرٌ عن القسمة، بأن يخاف كرة المشركين.. جاز له تأخير القسمة إلى أن يأمن مما خافه.وإن لم يكن له عذرٌ.. قال الشيخ أبو حامد: وجب على الإمام أن يقسمها على الغانمين؛ لأنه حقٌ معجلٌ، فلم يجز تأخيره عن مستحقه، كالوديعة إذا طالب بها صاحبها، وأما وقت ملك الغانمين للغنيمة: فلا يملكها الغانمون ما لم تنقض الحرب، وينهزم العدو، وكذلك: إذا انقضت الحرب، ولم يحرزوا الغنيمة ويجمعوها ويحوزوها. فأما إذا انقضت الحرب، وجمعوا الغنيمة، وحازوها.. فقد ملك الغانمون أن يملكوها. وإنما يقع الملك لهم فيها بأحد شيئين: إما أن يقول كل واحدٍ: قد اخترت نصيبي من هذه الغنيمة، فيملك المختار نصيبه منها مشاعًا. أو بأن يدفع الإمام إلى كل واحد نصيبه، فيقبله، فيملكه، فيكون قبوله اختيارًا للملك. وإنما كان كذلك؛ لأنه لو دفع إلى واحدٍ منهم نصيبه، فرده.. زال حقه من الغنيمة، فثبت: أنه ما ملكه قبل الاختيار، ولأن واحدًا من الغانمين لو أتلف عينًا من الغنيمة قبل الاختيار.. لزمه جميع قيمتها، فثبت: أنه لم يملك شيئًا منها قبل الاختيار، بخلاف الميراث. وأما وجوب الزكاة في الغنيمة: فإن الغانمين إذا جمعوا الغنيمة، وحازوها، ولم يختاروا تملكها.. فإنه لا زكاة عليهم ولو بقيت في أيديهم أحوالًا؛ لأنهم لم يملكوها، وإن اختاروا التملك: فإن كانت الغنيمة أصنافًا، مثل: الإبل والبقر والغنم والدراهم والدنانير.. فلا يبتدأ لها حولٌ قبل أن يقسموها؛ لأن للإمام أن يعطي واحدًا صنفًا، والآخر صنفًا آخر، فلم يملك واحدٌ صنفًا بعينه، فلم يجر في الحول، فلم تجب عليه الزكاة، ولأن فيها الخمس، وللإمام أن يعزل الخمس من أي صنفٍ شاء. وإن كانت الغنيمة صنفًا واحدًا تجب فيه الزكاة، كالإبل والبقر أو غيرهما.. فإن ابتداء الحول عليهم من حين الاختيار. فإن اقتسموا قبل الحول.. اعتبر نصيب كل واحدٍ بنفسه، فإن بلغ نصابًا.. وجبت عليه الزكاة عند تمام حوله من وقت الاختيار؛ لأن ملكه مستقرٌ؛ لأنه ليس للإمام أن يسقط حق أحدٍ من هذا المال. وإن نقص نصيبه عن النصاب.. فلا زكاة عليه؛ لأن الخلطة زالت قبل الحول، وإن حال الحول قبل القسمة.. فلا تصح الخلطة مع أهل الخمس، ولا يكمل النصاب بنصيبهم؛ لأنهم غير متعينين، وتصح الخلطة في الأربعة الأخماس. فإن كانت الغنيمة ماشية تجب فيها الزكاة.. زكوه زكاة الخلطة، قولًا واحدًا. وإن كانت ثمارًا أو دراهم أو دنانير.. فهل تصح فيها الخلطة؟ فيه قولان، قد مضى ذكرهما. |